الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
قال: [وتجتنب الزوجة المتوفى عنها زوجها الطيب والزينة, والبيتوتة في غير منزلها والكحل بالإثمد والنقاب] هذا يسمى الإحداد, ولا نعلم بين أهل العلم خلافا في وجوبه على المتوفى عنها زوجها إلا عن الحسن فإنه قال: لا يجب الإحداد وهو قول شذ به أهل العلم وخالف به السنة, فلا يعرج عليه ويستوي في وجوبه الحرة والأمة والمسلمة والذمية, والكبيرة والصغيرة وقال أصحاب الرأي: لا إحداد على ذمية ولا صغيرة لأنهما غير مكلفتين ولنا عموم الأحاديث التي سنذكرها ولأن غير المكلفة تساوى المكلفة في اجتناب المحرمات كالخمر والزنى, وإنما يفترقان في الإثم فكذلك الإحداد ولأن حقوق الذمية في النكاح كحقوق المسلمة, فكذلك فيما عليها. ولا إحداد على غير الزوجات كأم الولد إذا مات سيدها قال ابن المنذر: لا أعلمهم يختلفون في ذلك وكذلك الأمة التي يطؤها سيدها, إذا مات عنها ولا الموطوءة بشبهة والمزني بها لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر, أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا) ولا إحداد على الرجعية بغير خلاف نعلمه لأنها في حكم الزوجات, لها أن تتزين لزوجها وتستشرف له ليرغب فيها, وتتفق عنده كما تفعل في صلب النكاح ولا إحداد على المنكوحة نكاحا فاسدا لأنها ليست زوجة على الحقيقة ولا لها من كانت تحل له ويحل لها, فتحزن على فقده. وتجتنب الحادة ما يدعو إلى جماعها ويرغب في النظر إليها ويحسنها, وذلك أربعة أشياء أحدها الطيب ولا خلاف في تحريمه عند من أوجب الإحداد لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تمس طيبا إلا عند أدنى طهرها, إذا طهرت من حيضها بنبذة من قسط أو أظفار) متفق عليه وروت زينب بنت أم سلمة قالت: (دخلت على أم حبيبة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- حين توفى أبوها أبو سفيان, فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية, ثم مست بعارضها ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر, أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا) متفق عليه ولأن الطيب يحرك الشهوة ويدعو إلى المباشرة ولا يجوز لها استعمال الأدهان المطيبة, كدهن الورد والبنفسج والياسمين والبان وما أشبهه لأنه استعمال للطيب فأما الأدهان بغير المطيب كالزيت والشيرج والسمن, فلا بأس به لأنه ليس بطيب الثاني: اجتناب الزينة وذلك واجب في قول عامة أهل العلم منهم ابن عمر وابن عباس, وعطاء وجماعة أهل العلم يكرهون ذلك وينهون عنه وهو ثلاثة أقسام: أحدها الزينة في نفسها, فيحرم عليها أن تختضب وأن تحمر وجهها بالكلكون وأن تبيضه بأسفيداج العرائس, وأن تجعل عليه صبرا يصفره وأن تنقش وجهها ويديها وأن تحفف وجهها, وما أشبهه مما يحسنها وأن تكتحل بالإثمد من غير ضرورة وذلك لما روت أم سلمة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (المتوفى عنها زوجها, لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشق ولا الحلي, ولا تختضب ولا تكتحل) رواه النسائي وأبو داود وروت أم عطية, أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تحد المرأة فوق ثلاثة أيام إلا على زوج فإنها تحد أربعة أشهر وعشرا, ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تكتحل, ولا تمس طيبا إلا عند أدنى طهرها إذا طهرت من حيضها بنبذة من قسط أو أظفار) متفق عليه وعن أم سلمة, قالت: (جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفى عنها زوجها وقد اشتكت عينها, أفتكحلها؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا مرتين أو ثلاثا) متفق عليه وروت أم سلمة قالت: (دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين توفى أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبرا, فقال: ماذا يا أم سلمة؟ قلت: إنما هو صبر ليس فيه طيب قال: إنه يشب الوجه لا تجعليه إلا بالليل, وتنزعينه بالنهار ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء, فإنه خضاب قالت: قلت: بأي شيء أمتشط؟ قال: بالسدر تغلفين به رأسك) ولأن الكحل من أبلغ الزينة والزينة تدعو إليها, وتحرك الشهوة فهي كالطيب وأبلغ منه وحكى عن بعض الشافعية أن للسوداء أن تكتحل وهو مخالف للخبر والمعنى, فإنه يزينها ويحسنها وإن اضطرت الحادة إلى الكحل بالإثمد للتداوى فلها أن تكتحل ليلا وتمسحه نهارا ورخص فيه عند الضرورة عطاء, والنخعي ومالك وأصحاب الرأي لما روت أم حكيم بنت أسيد, عن أمها أن زوجها توفى وكانت تشتكي عينيها, فتكتحل بالجلاء فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمة تسألها عن كحل الجلاء, فقالت: لا تكتحلي إلا لما لا بد منه يشتد عليك فتكتحلين بالليل, وتغسلينه بالنهار رواه أبو داود والنسائي وإنما منع من الكحل بالإثمد لأنه الذي تحصل به الزينة, فأما الكحل بالتوتيا والعنزروت ونحوهما فلا بأس به لأنه لا زينة فيه بل يقبح العين, ويزيدها مرها ولا تمنع من جعل الصبر على غير وجهها من بدنها لأنه إنما منع منه في الوجه لأنه يصفره فيشبه الخضاب ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنه يشب الوجه) ولا تمنع من التنظيف بتقليم الأظفار, ونتف الإبط وحلق الشعر المندوب إلى حلقه ولا من الاغتسال بالسدر, والامتشاط به لحديث أم سلمة ولأنه يراد للتنظيف لا للطيب القسم الثاني: زينة الثياب, فتحرم عليها الثياب المصبغة للتحسين كالمعصفر والمزعفر, وسائر الأحمر وسائر الملون للتحسين كالأزرق الصافي, والأخضر الصافي والأصفر فلا يجوز لبسه لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تلبس ثوبا مصبوغا) وقوله: (لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشق) فأما ما لا يقصد بصبغه حسنه, كالكحلي والأسود والأخضر المشبع, فلا تمنع منه لأنه ليس بزينة وما صبغ غزله ثم نسج فيه احتمالان أحدهما: يحرم لبسه لأنه أرفع وأحسن ولأنه مصبوغ للحسن فأشبه ما صبغ بعد نسجه والثاني لا يحرم لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أم سلمة: (إلا ثوب عصب) وهو ما صبغ غزله قبل نسجه ذكره القاضي ولأنه لم يصبغ وهو ثوب فأشبه ما كان حسنا من الثياب غير مصبوغ, والأول أصح وأما العصب فالصحيح أنه نبت تصبغ به الثياب قال صاحب الروض الأنف الورس والعصب نبتان باليمن, لا ينبتان إلا به فأرخص النبي -صلى الله عليه وسلم- للحادة في لبس ما صبغ بالعصب لأنه في معنى ما صبغ لغير التحسين أما ما صبغ غزله للتحسين كالأحمر والأصفر, فلا معنى لتجويز لبسه مع حصول الزينة بصبغه كحصولها بما صبغ بعد نسجه ولا تمنع من حسان الثياب غير المصبوغة, وإن كان رقيقا سواء كان من قطن أو كتان أو إبريسم لأن حسنه من أصل خلقته فلا يلزم تغييره, كما أن المرأة إذا كانت حسنة الخلقة لا يلزمها أن تغير لونها وتشوه نفسها القسم الثالث: الحلي, فيحرم عليها لبس الحلي كله حتى الخاتم في قول عامة أهل العلم لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ولا الحلي) وقال عطاء: يباح حلي الفضة دون الذهب وليس بصحيح لأن النهى عام ولأن الحلي يزيد حسنها, ويدعو إلى مباشرتها قالت امرأة: وما الحلي إلا زينة لنقيصة ** تتمم من حسن إذا الحسن قصرا الثالث مما تجتنبه الحادة النقاب وما في معناه, مثل البرقع ونحوه لأن المعتدة مشبهة بالمحرمة والمحرمة تمنع من ذلك وإذا احتاجت إلى ستر وجهها أسدلت عليه كما تفعل المحرمة. والرابع المبيت في غير منزلها وممن أوجب على المتوفى عنها زوجها الاعتداد في منزلها عمر, وعثمان رضي الله عنهما وروي ذلك عن ابن عمر وابن مسعود وأم سلمة, وبه يقول مالك والثوري والأوزاعي, وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق وقال ابن عبد البر: وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار, بالحجاز والشام والعراق, ومصر وقال جابر بن زيد والحسن وعطاء تعتد حيث شاءت وروي ذلك عن علي, وابن عباس وجابر وعائشة رضي الله عنهم قال ابن عباس: نسخت هذه الآية عدتها عند أهله, وسكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت لقول الله تعالى: فصل فإن خافت هدما أو غرقا أو عدوا أو نحو ذلك, أو حولها صاحب المنزل لكونه عارية رجع فيها أو بإجارة انقضت مدتها أو منعها السكنى تعديا, أو امتنع من إجارته أو طلب به أكثر من أجرة المثل أو لم تجد ما تكترى به, أو لم تجد إلا من مالها فلها أن تنتقل لأنها حال عذر ولا يلزمها بذلك أجر المسكن, وإنما الواجب عليها فعل السكنى لا تحصيل المسكن وإذا تعذرت السكنى, سقطت ولها أن تسكن حيث شاءت ذكره القاضي وذكر أبو الخطاب أنها تنتقل إلى أقرب ما يمكنها النقلة إليه وهو مذهب الشافعي لأنه أقرب إلى موضع الوجود, فأشبه من وجبت عليه الزكاة في موضع لا يجد فيه أهل السهمان فإنه ينقلها إلى أقرب موضع يجدهم فيه ولنا أن الواجب سقط لعذر, ولم يرد الشرع له ببدل فلا يجب كما لو سقط الحج للعجز عنه وفوات شرط, والمعتكف إذا لم يقدر على الاعتكاف في المسجد ولأن ما ذكروه إثبات حكم بلا نص ولا معنى نص فإن معنى الاعتداد في بيتها لا يوجد في السكنى فيما قرب منه, ويفارق أهل السهمان فإن القصد نفع الأقرب وفي نقلها إلى أقرب موضع يجده نفع الأقرب فوجب لذلك.
فصل قال أصحابنا: ولا سكنى للمتوفى عنها, إذا كانت حائلا رواية واحدة وإن كانت حاملا فعلى روايتين وللشافعي في سكنى المتوفى عنها قولان وجه الوجوب قوله تعالى: فأما إذا قلنا: ليس لها السكنى فتطوع الورثة بإسكانها في مسكن زوجها أو السلطان أو أجنبي, لزمها الاعتداد به وإن منعت السكنى به أو طلبوا منها الأجرة, فلها أن تنتقل عنه إلى غيره كما ذكرنا فيما إذا أخرجها المؤجر عند انقضاء الإجارة وسواء قدرت على الأجرة, أو عجزت عنها لأنه إنما تلزمها السكنى لا تحصيل المسكن وإن كانت في مسكن لزوجها فأخرجها الورثة منه وبذلوا لها مسكنا آخر, لم تلزمها السكنى وكذلك إن أخرجت من المسكن الذي هي به أو خرجت لأي عارض كان لم تلزمها السكنى في موضع معين سواه, سواء بذله الورثة أو غيرهم لأنها إنما يلزمها الاعتداد في بيتها الذي كانت فيه لا في غيره وكذلك إذا قلنا لها السكنى فتعذر سكناها في مسكنها وبذل لها سواه وإن طلبت مسكنا سواه, لزم الورثة تحصيله بأجرة أو بغيرها إن خلف الميت تركة تفي بذلك, ويقدم ذلك على الميراث لأنه حق على الميت فأشبه الدين فإن كان على الميت دين يستغرق ماله ضربت بأجرة المسكن مع الغرماء لأن حقها مساو لحقوق الغرماء, وتستأجر بما يصيبها موضعا تسكنه وكذلك الحكم في المطلقة إذا حجر على الزوج قبل أن يطلقها ثم طلقها فإنها تضرب بأجرة المسكن لمدة العدة مع الغرماء, إذا كانت حاملا فإن قيل: فهلا قدمتم حق الغرماء لأنه أسبق؟ قلنا: لأن حقها ثبت عليه بغير اختيارها فشاركت الغرماء فيه كما لو أتلف المفلس مالا لإنسان أو جنى عليه, وإن مات وهي في مسكنه لم يجز إخراجها منه لأن حقها تعلق بعين المسكن, قبل تعلق حقوق الغرماء بعينه فكان حقها مقدما كحق المرتهن وإن طلب الغرماء بيع هذا المسكن وتترك السكنى لها مدة العدة, لم يجز لأنها إنما تستحق السكنى إذا كانت حاملا ومدة الحمل مجهولة فتصير كما لو باعها واستثنى نفعها مدة مجهولة وإن أراد الورثة قسمة مسكنها على وجه يضر بها في السكنى, لم يكن لهم ذلك وإن أرادوا التعليم بخطوط من غير نقض ولا بناء جاز لأنه لا ضرر عليها فيه. وإذا قلنا: إنها تضرب مع الغرماء بقدر مدة عدتها فإنها تضرب بمدة عادتها في وضع الحمل, إن كانت حاملا وإن كانت مطلقة من ذوات القروء وقلنا: لها السكنى ضربت بمدة عادتها في القروء, فإن لم تكن لها عادة ضربت بغالب عادات النساء وهو تسعة أشهر للحمل, وثلاثة أشهر لكل قرء شهر أو بما بقي من ذلك, إن كان قد مضى من مدة حملها شيء لأنه لا يمكن تأخير القسمة لحق الغرماء فإذا ضربت بذلك فوافق الصواب, فلم تزد ولم تنقص استقر الحكم وتستأجر بما يحصل لها مكانا تسكنه وإذا تعذر ذلك, سكنت حيث شاءت وإن كانت المدة أقل مما ضربت به مثل إن وضعت حملها لستة أشهر أو تربصت ثلاثة قروء في شهرين, فعليها رد الفضل وتضرب فيه بحصتها منه وإن طالت العدة أكثر من ذلك مثل ذلك مثل إن وضعت حملها في عام أو رأت ثلاثة قروء في نصف عام, رجعت بذلك على الغرماء كما يرجعون عليها في صورة النقص ويحتمل أن لا ترجع به ويكون في ذمة زوجها لأننا قدرنا ذلك مع تجويز الزيادة, فلم تكن لها الزيادة عليه. وللمعتدة الخروج في حوائجها نهارا سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها لما روى (جابر قال طلقت خالتي ثلاثا فخرجت تجذ نخلها, فلقيها رجل فنهاها فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال اخرجي, فجذي نخلك لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيرا) رواه النسائي, وأبو داود وروى مجاهد قال: (استشهد رجال يوم أحد فجاءت نساؤهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقلن يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نستوحش بالليل, أفنبيت عند إحدانا فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: تحدثن عند إحداكن حتى إذا أردتن النوم, فلتؤب كل واحدة إلى بيتها) وليس لها المبيت في غير بيتها ولا الخروج ليلا إلا لضرورة لأن الليل مظنة الفساد, بخلاف النهار فإنه مظنة قضاء الحوائج والمعاش وشراء ما يحتاج إليه وإن وجب عليها حق لا يمكن استيفاؤه إلا بها, كاليمين والحد وكانت ذات خدر بعث إليها الحاكم من يستوفى الحق منها في منزلها, وإن كانت برزة جاز إحضارها لاستيفائه فإذا فرغت رجعت إلى منزلها. والأمة كالحرة في الإحداد والاعتداد في المنزل إلا أن سكناها في العدة كسكناها في حياة زوجها, للسيد إمساكها نهارا وإرسالها ليلا فإن أرسلها ليلا ونهارا, اعتدت زمانها كله في المنزل وعلى الورثة سكناها فيهما كالحرة سواء. والبدوية كالحضرية في الاعتداد في منزلها الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه فإن انتقلت الحلة, انتقلت معهم لأنها لا يمكنها المقام وحدها وإن انتقل غير أهلها لزمها المقام معهم وإن انتقل أهلها انتقلت معهم إلا أن يبقى من الحلة من لا تخاف على نفسها معهم, فتكون مخيرة بين الإقامة والرحيل وإن هرب أهلها فخافت هربت معهم وإن أمنت أقامت لقضاء العدة في منزلها. فإن: مات صاحب السفينة وامرأته في السفينة ولها مسكن في البر, فحكمها حكم المسافرة في البر على ما سنذكره وإن لم يكن لها مسكن سواها وكان فيها بيت يمكنها السكنى فيه, بحيث لا تجتمع مع الرجال وأمكنها المقام فيه بحيث تأمن على نفسها ومعها محرمها, لزمها أن تعتد به فإن كانت ضيقة وليس معها محرمها أو لا يمكنها الإقامة فيها إلا بحيث تختلط بالرجال, لزمها الانتقال منها إلى موضع سواها. قال: [والمطلقة ثلاثا تتوقى الطيب والزينة, والكحل بالإثمد] اختلفت الرواية عن أحمد في وجوب الإحداد على المطلقة البائن فعنه يجب عليها وهو قول سعيد بن المسيب, وأبي عبيد وأبي ثور وأصحاب الرأي والثانية, لا يجب عليها وهو قول عطاء وربيعة ومالك, وابن المنذر ونحوه قول الشافعي لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج, أربعة أشهر وعشرا) وهذه عدة الوفاة فيدل على أن الإحداد إنما يجب في عدة الوفاة ولأنها معتدة عن غير وفاة فلم يجب عليها الإحداد, كالرجعية والموطوءة بشبهة ولأن الإحداد في عدة الوفاة لإظهار الأسف على فراق زوجها وموته, فأما الطلاق فإنه فارقها باختيار نفسه وقطع نكاحها فلا معنى لتكليفها الحزن عليه ولأن المتوفى عنها لو أتت بولد, لحق الزوج وليس له من ينفيه فاحتيط عليها بالإحداد, لئلا يلحق بالميت من ليس منه بخلاف المطلقة فإن زوجها باق, فهو يحتاط عليها بنفسه وينفى ولدها إذا كان من غيره ووجه الرواية الأولى أنها معتدة بائن من نكاح, فلزمها الإحداد كالمتوفى عنها زوجها وذلك لأن العدة تحرم النكاح, فحرمت دواعيه ويخرج على هذا الرجعية فإنها زوجة والموطوءة بشبهة ليست معتدة من نكاح, فلم تكمل الحرمة فأما الحديث فإنما مدلوله تحريم الإحداد على ميت غير الزوج ونحن نقول به ولهذا جاز الإحداد ها هنا بالإجماع, فإذا قلنا يلزمها الإحداد لزمها شيئان توقى الطيب والزينة في نفسها, على ما قدمنا فيها ولا تمنع من النقاب ولا من الاعتداد في غير منزلها, ولذلك أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- فاطمة بنت قيس أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم على ما سنذكره -إن شاء الله تعالى-. وإذا كانت المبتوتة حاملا, وجب لها السكنى رواية واحدة ولا نعلم بين أهل العلم خلافا فيه وإن لم تكن حاملا ففيها روايتان إحداهما, لا يجب لها ذلك وهو قول ابن عباس وجابر وبه قال عطاء وطاووس, والحسن وعمرو بن ميمون وعكرمة, وإسحاق وأبو ثور وداود والثانية يجب لها ذلك, وهو قول ابن مسعود وابن عمر وعائشة, وسعيد بن المسيب والقاسم وسالم, وأبي بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وسليمان بن يسار ومالك, والثوري والشافعي وأصحاب الرأي لقول الله تعالى: فصل قال أصحابنا: ولا يتعين الموضع الذي تسكنه في الطلاق, سواء قلنا: لها السكنى أو لم نقل بل يتخير الزوج بين إقرارها في الموضع الذي طلقها فيه وبين نقلها إلى مسكن مثلها, والمستحب إقرارها لقوله تعالى قال: [وإذا خرجت إلى الحج فتوفى عنها زوجها وهي بالقرب, رجعت لتقضي العدة فإن كانت قد تباعدت مضت في سفرها, فإن رجعت وقد بقي من عدتها شيء أتت به في منزلها] وجملته أن المعتدة من الوفاة ليس لها أن تخرج إلى الحج ولا إلى غيره روي ذلك عن عمر, وعثمان رضي الله عنهما وبه قال سعيد بن المسيب والقاسم, ومالك والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي, والثوري وإن خرجت فمات زوجها في الطريق رجعت إن كانت قريبة لأنها في حكم الإقامة, وإن تباعدت مضت في سفرها وقال مالك: ترد ما لم تحرم والصحيح أن البعيدة لا ترد لأنه يضر بها وعليها مشقة, ولا لها من سفر وإن رجعت قال القاضي: ينبغي أن يحد القريب بما لا تقصر فيه الصلاة والبعيد ما تقصر فيه لأن ما لا تقصر الصلاة فيه أحكامه أحكام الحضر وهذا قول أبي حنيفة إلا أنه لا يرى القصر إلا في مسيرة ثلاثة أيام فقال: متى كان بينها وبين مسكنها دون ثلاثة أيام, فعليها الرجوع إليه وإن كان فوق ذلك لزمها المضي إلى مقصدها والاعتداد فيه إذا كان بينها وبينه دون ثلاثة أيام, وإن كان بينه وبينها ثلاثة أيام وفي موضعها الذي هي به موضع يمكنها الإقامة فيه لزمها الإقامة, وإن لم يمكنها الإقامة مضت إلى مقصدها وقال الشافعي: إن فارقت البنيان فلها الخيار بين الرجوع والتمام لأنها صارت في موضع أذن لها زوجها فيه, وهو السفر فأشبه ما لو كانت قد بعدت ولنا على وجوب الرجوع إذا كانت قريبة, ما روى سعيد ثنا جرير عن منصور, عن سعيد بن المسيب قال: توفى أزواج نساؤهن حاجات أو معتمرات فردهن عمر من ذي الحليفة, حتى يعتددن في بيوتهن ولأنه أمكنها الاعتداد في منزلها قبل أن يبعد سفرها فلزمها كما لو لم تفارق البنيان وعلى أن البعيدة لا يلزمها الرجوع لأن عليها مشقة وتحتاج إلى سفر في رجوعها, فأشبهت من بلغت مقصدها وإن اختارت البعيدة الرجوع فلها ذلك إذا كانت تصل إلى منزلها قبل انقضاء عدتها ومتى كان عليها في الرجوع خوف أو ضرر, فلها المضي في سفرها كما لو بعدت ومتى رجعت, وقد بقي عليها شيء من عدتها لزمها أن تأتي به في منزل زوجها, بلا خلاف نعلمه بينهم في ذلك لأنه أمكنها الاعتداد فيه فلزمها كما لو لم تسافر منه. ولو كانت عليها حجة الإسلام فمات زوجها, لزمتها العدة في منزلها وإن فاتها الحج لأن العدة في المنزل تفوت ولا بدل لها والحج يمكن الإتيان به في غير هذا العام وإن مات زوجها بعد إحرامها بحج الفرض, أو بحج أذن لها زوجها فيه نظرت فإن كان وقت الحج متسعا لا تخاف فوته, ولا فوت الرفقة لزمها الاعتداد في منزلها لأنه أمكن الجمع بين الحقين فلم يجز إسقاط أحدهما, وإن خشيت فوات الحج لزمها المضي فيه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يلزمها المقام وإن فاتها الحج لأنها معتدة فلم يجز لها أن تنشئ سفرا, كما لو أحرمت بعد وجوب العدة عليها ولنا أنهما عبادتان استويا في الوجوب وضيق الوقت, فوجب تقديم الأسبق منهما كما لو كانت العدة أسبق ولأن الحج آكد لأنه أحد أركان الإسلام والمشقة بتفويته تعظم, فوجب تقديمه كما لو مات زوجها بعد أن بعد سفرها إليه وإن أحرمت بالحج بعد موت زوجها وخشيت فواته احتمل أن يجوز لها المضي إليه لما في بقائها في الإحرام من المشقة, واحتمل أن يلزمها الاعتداد في منزلها لأن العدة أسبق ولأنها فرطت وغلطت على نفسها فإذا قضت العدة وأمكنها السفر إلى الحج, لزمها ذلك فإن أدركته وإلا تحللت بعمل عمرة, وحكمها في القضاء حكم من فاته الحج وإن لم يمكنها السفر فحكمها حكم المحصر, كالتي يمنعها زوجها من السفر وحكم الإحرام بالعمرة كذلك إذا خيف فوات الرفقة أو لم يخف. وإذا أذن لها زوجها للسفر لغير النقلة فخرجت ثم مات زوجها, فالحكم في ذلك كالحكم في سفر الحج على ما ذكرنا من التفصيل وإذا مضت إلى مقصدها فلها الإقامة حتى تقضي ما خرجت إليه, وتنقضي حاجتها من تجارة أو غيرها وإن كان خروجها لنزهة أو زيارة أو لم يكن قدر لها مدة فإنها تقيم إقامة المسافر ثلاثا, وإن قدر لها مدة فلها إقامتها لأن سفرها بحكم إذنه فكان لها إقامة ما أذن لها فيه, فإذا مضت مدتها أو قضت حاجتها ولم يمكنها الرجوع لخوف أو غيره, أتمت العدة في مكانها وإن أمكنها الرجوع لكن لا يمكنها الوصول إلى منزلها حتى تنقضي عدتها, لزمتها الإقامة في مكانها لأن الاعتداد وهي مقيمة أولى من الإتيان بها في السفر وإن كانت تصل وقد بقي من عدتها شيء لزمها العود لتأتي بالعدة في مكانها. وإن أذن الزوج لها في الانتقال إلى دار أخرى أو بلد آخر, فمات قبل انتقالها لزمها الاعتداد في الدار التي هي بها لأنها بيتها وسواء مات قبل نقل متاعها أو بعده لأنها مسكنها, ما لم تنتقل عنه وإن مات بعد انتقالها إلى الثانية اعتدت فيها لأنها مسكنها وسواء كانت قد نقلت متاعها, أو لم تنقله وإن مات وهي بينهما فهي مخيرة لأنها لا مسكن لها منهما فإن الأولى قد خرجت عنها منتقلة فخرجت عن كونها مسكنا لها, والثانية لم تسكن بها فهما سواء وقيل: يلزمها الاعتداد في الثانية لأنها المسكن الذي أذن لها زوجها في السكنى به وهذا يمكن في الدارين فأما إذا كانا بلدين, لم يلزمها الانتقال إلى البلد الثاني بحال لأنها إنما كانت تنتقل لغرض زوجها في صحبتها إياه وإقامتها معه فلو ألزمناها ذلك بعد موته, لكلفناها السفر الشاق والتغرب عن وطنها وأهلها والمقام مع غير محرمها, والمخاطرة بنفسها مع فوات الغرض وظاهر حال الزوج أنه لو علم أنه يموت, لما نقلها فصارت الحياة مشروطة في النقلة فأما إن انتقلت إلى الثانية ثم عادت إلى الأولى لنقل متاعها, فمات زوجها وهي بها فعليها الرجوع إلى الثانية لأنها صارت مسكنها بانتقالها إليها وإنما عادت إلى الأولى لحاجة, والاعتبار بمسكنها دون موضعها وإن مات وهي في الثانية فقالت: أذن لي زوجي في السكنى بهذا المكان وأنكر ذلك الورثة أو قالت: إنما أذن لي زوجي في المجيء إليه, لا في الإقامة به وأنكر ذلك الورثة فالقول قولها لأنها أعرف بذلك منهم وكل موضع قلنا: يلزمها السفر عن بلدها فهو مشروط بوجود محرمها مسافرا معها والأمن على نفسها لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر, أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم من أهلها) أو كما قال. قال: [وإذا طلقها زوجها أو مات عنها, وهو ناء عنها فعدتها من يوم مات أو طلق إذا صح ذلك عندها, وإن لم تجتنب ما تجتنبه المعتدة] هذا المشهور في المذهب وأنه متى مات زوجها أو طلقها فعدتها من يوم موته وطلاقه قال أبو بكر لا خلاف عن أبي عبد الله أعلمه, أن العدة تجب من حين الموت والطلاق إلا ما رواه إسحاق بن إبراهيم وهذا قول ابن عمر وابن عباس, وابن مسعود ومسروق وعطاء, وجابر بن زيد وابن سيرين ومجاهد, وسعيد بن جبير وعكرمة وطاوس, وسليمان بن يسار وأبي قلابة وأبي العالية, والنخعي ونافع ومالك, والثوري والشافعي وإسحاق, وأبي عبيد وأبي ثور وأصحاب الرأي وعن أحمد: إن قامت بذلك بينة فكما ذكرنا وإلا فعدتها من يوم يأتيها الخبر وروي ذلك عن سعيد بن المسيب, وعمر بن عبد العزيز ويروي عن علي والحسن وقتادة, وعطاء الخراساني وخلاس بن عمرو أن عدتها من يوم يأتيها الخبر لأن العدة اجتناب أشياء, وما اجتنبتها ولنا أنها لو كانت حاملا فوضعت حملها غير عالمة بفرقة زوجها, لانقضت عدتها فكذلك سائر أنواع العدد ولأنه زمان عقيب الموت أو الطلاق فوجب أن تعتد به, كما لو كان حاضرا ولأن القصد غير معتبر في العدة بدليل أن الصغيرة والمجنونة تنقضي عدتهما من غير قصد, ولم يعدم ها هنا إلا القصد وسواء في هذا اجتنبت ما تجتنبه المعتدات أو لم تجتنبه, فإن الإحداد الواجب ليس بشرط في العدة فلو تركته قصدا أو عن غير قصد, لانقضت عدتها فإن الله تعالى قال:
|